شُخوص
محمد مهدي الجواهري
ولد شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري عام 1900 أو 1903 في مدينة النجف التي تتكي على أطراف الصحراء , هي مدينة العلم والشعر والأدب لأبناء وادي الرافدين , ويؤكد الراحل مصطفى جواد أن: ( النجف سميً بهذا الاسم لأنهُ يعني أرضاً عالية يشبه المسنات, تصمد الماء عمّا جاورها وينجفُها الماء من جوانبها أيام السيول ولكنهُ لا يعلوها فهي كالنَجد والذي تغلب على شكلها الاستطالة) .
أصل الجواهري أسرة عريقة بنى مجدها العلمي الشيخ ( محمد حسن ) صاحب كتاب جواهر الكلام , وقد ظهرت موهبة الجواهري في الشعر وهو بسنّ مبكرة , ونشرأول قصائدة عام1921 ,وأول مجموعة شعرية كانت باسم ( حَلبَة الأدب) .
بعد إكماله الدراسة تنقلّ الجواهري بينَ مجال التعليم ودائرة التشريفات في البلاط الملكي ثم عمل في مجال الصحافة , وأصدر أكثر من صحيفة منها ( الفرات, الانقلاب , الرأي العام ) وأصدر صحف بأسماء أخرى منها ( الثبات, الجهاد, الأوقات البغدادية , الدستور , صدى الدستور , الجديد , العصور),لكن جريدته ( الرأي العام ) كانت الأطول عمراً ,ثم دخل المجلس النيابي عام 1947 ممثلاً عن كربلاء , وبعد ثورة 14 تموز 1958 أنتخبَ رئيساً لاتحاد الأدباء والصحفيين العراقيين , لكنهُ غادر العراق إلى براغ بعد محاولات الاعتداء عليه وتوقيفه لساعات عام 1961, حيث استغلَ الدعوة لتكريم ( الأخطل الصغير) ليغادر البلاد , ليحلً ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين.
دعم ثورة تموز 1958 وزعيمها عبد الكريم قاسم في أول أيامها , فكان معها روحاً وإبداعاً , كانَ (أول بيت زارهُ الزعيم عبد الكريم قاسم منزل الجواهري , وإذا كان عبد الكريم قاسم زعيم السلطة السياسية والعسكرية , فإن الجواهري كانَ زعيم السلطة الثقافية والفكرية الموازية , إذا جازَ القول) (2) , وكانَ للجواهري الدور الريادي في مجال الشعر والصحافة , فقد أنتخبَ نقيباً للصحفيين بعدَ ثورة تموز 1958 .
بالرغم من الخلاف بين الجواهري والزعيم قاسم , لكن الشاعر الجواهري قد أنصف الزعيم بفصل كامل في الجزء الثاني من ذكرياته (ص161-ص281) فكان الشاعر الجواهري يؤكد بأن الزعيم : ( كان نظيفاً , وطنياً حققَ إجراءات وطنية وإصلاحات للعراق وللعراقيين , لكنهُ اعتمدَ على أناس غير مؤهلين ليكونوا في عداد الساسة ) , كان لتمرد الشاعر على زعيم الثورة وانشقاقه عنها , إلا أن قصائدهُ كانت شجاعة تخاطب العهد الملكي ومنها قصيدة بعنوان ( هاشم الوتري) :
كان الشاعر الجواهري يؤكد في مذكراته ج2 ص83 على إن الزعيم قاسم : ( حقيقة كانَ عبد الكريم قاسم من أكثر أقرانه نظافة , ومن أكثرهم وطنية , ومن أشدًهم انتماءاً للفقراء , وهو من بيئة فقيرة انسحبت جرائر بؤسها على كل مراحل حياته... كما أنهُ عدو الاستعمار بكافة أشكاله والبريطاني منهُ خاصة .. كانَ يملك ضميراً حياً , ونزاهّة نادرة , وبساطة في اللباس والحياة والمأكل , مما جعلهُ يضاف إلى قائمة المترفعين عن المظاهر والمكاسب وجًاه الثروة , وهو ما أغفلهُ من الكتاب والصحفيين والمؤرخين), ويكفي الجواهري فخراً قولهُ :
وما طالَ عصر الظلم إلا لحكمةٍ
تنبئ أن لا بدً تدنوا المصارعُ
وهنالك قصائد عديدة يتمسك الجواهري فيها بحب بلاد الرافدين ومن بينها نونيته الأشهر ( دجلة الخير ) عام 1962 ومما جاء فيها بذلك الصدد:
يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت
بهِ مجاريك من فوقِ إلى دونِ
أدري بأنكِ من ألفِ مَضَت هدا
للآن تهزينَ من حكم السلاطينِ
كانت أبيات شعر الجواهر قد تغضًب بعض أو ترضي بعضاَ , لأنها سعت لكي تكون بعيدة عن المشاعر والعواطف , التي كانت عمرها حكماً عادلاً في تقييم الوقائع التاريخية , ثمَ نجد قصيدة حاشدة في ما يحدث من أحداث في بلاد الرافدين وقد وثقها الشاعر الجواهري ومنها:
( بإسم الشعب , إنشودة السلام , عيد العمال العالمي , المستنصرية ) وغيرها من القصائد التي يخاطب بها الطلبة والشبيبة العراقية عام 1959 , فقد كان الجواهري محرضاً على حب الوطن والمساهمة في بناءه , وما جاءَ في البيت الشعري :
فخرنا إنا كشفناه لكم
اكتشاف الغَد للأجيال فنُ
وكانَ من أجمل قصائد الشاعر في الحنين للوطن وإلى دجلته هذه القصيدة :
حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني
يا دجلةُ الخير , يا أم البساتينِ
حييت سفحكِ ضمآناً ألوذ به
لوذ الحمائمِ بينَ الماءِ والطينِ
فكانَ في أسلوبه الخاص والمعتمد القديم من حيث العبارة واللفظ , لكن يبقى شعر الجواهري شعراً محدثاً بإضفاء المعاصرة عليه , فما كان لهُ إلا الخلود , فقد انتهى عصر الأدب بعدَ رحيل الجواهري , ويذكر الناق