مكتبة
رواية طوق الياسمين

"طوق الياسمين"، رواية للكاتب والأديب الجزائري واسيني الأعرج، تقوم على علاقتي حب حميميتين ومأزومتين ومدمرتين، علاقة "واسيني" بـ"مريم" ابنة بلده، وعلاقة "عيد عشاب" مع "سلفيا" ابنة دمشق.
كانت في بادئها علاقة إعجاب ربطت بين واسيني الكاتب ومريم الفتاة، التي تخطو نحو فهم العالم على يديه، من خلال كتبه وجمله وكلماته، وشيئاً فشيئاً يكتشفان خفق قلبيهما، لكن رغبة مجنونة وعارمة تجتاح مريم بعد فترة، وهي شعورها بضرورة أن تنجب طفلا، فقد بلغت الثلاثين من العمر وبدأت تشعر بأن فسحة الأمل قد بدأت تضيق، لذا تصارح حبيبها واسيني بضرورة زواجهما، لكنه يقف صامتاً ومرتبكاً، ويخبرها أنه ليس مؤهلاً للزواج ضمن ظرفه، ويرجوها التمهل في طلبها ورغبتها. وهكذا ظل هاجس الطفل هو كل شيء في حياة مريم وفي علاقتها مع واسيني، ويصب الخلاف البرود على علاقتهما، وفي لحظة اندفاع تخبره بأنها قد تتركه في مقابل هذه الرغبة، وأن صديقهما الذي لا يمل ملاحقتها ينتظر أي إشارة منها، وأنه مستعد للزواج بها.
ولأن الأنفة والهدوء يلازمان واسيني، فإنه يبقى في هدوئه، ويخبرها أن لها كل الحرية في اختيار ما تريد، ومن هنا يبدأ المنعطف الحقيقي للرواية. تقدم مريم على الزواج من صالح، وتكتشف بعد زواجها أن قلبها ازداد تعلقاً بعالم واسيني، وأنها لا تستطيع العيش من دونه، "لم أستطع نسيانك أيها المهبول. تزوجت لأنساك فصرت مريضة بفقدانك المتكرر، ولم يزدني غيابك إلا ضلالة والتصاقاً بك".
ثم تحمل من واسيني وليس من زوجها، ويكون لها ما تريد، لكن مرض قلبها وضعفه يقفان لها بالمرصاد، فتموت وطفلتها لحظة الولادة، تاركة فراغاً وحسرة وندماً في قلب واسيني، الذي يبقى مسكوناً بهذا الحب والفقد، لا يتجاوزهما إلا بكتابة الرواية، التي استغرقت منه سنوات طوالاً، كما هو مدون في نهايتها "دمشق - الجزائر - باريس، خريف 1981 - شتاء 2001".
أما القسم الثاني من الرواية، وهو علاقة عيد عشاب بسلفيا، قامت على أن الشاب الجزائري المسلم، يقع في حب الفتاة السورية المسيحية، والتي يرفض أبوها تزويجها منه حين يتقدم لخطبتها.
عيد عشاب يعيش وجع علاقته بسلفيا من خلال لقاءاته بها، وبكتابة مذكراته، مستعيناً بشرب "العرق" يهرب به من واقع يخنقه ولا يقدر على تغييره، وفي الوقت نفسه، من خلال هيامه بمعلمه وشيخه وسيده الأعظم محيي الدين بن عربي، الذي يأتيه في أحلامه، ويقود خطاه لاكتشاف درب طوق الياسمين في نهر بردى، بصحبة خادم المقام.
تضيق بعيد الدنيا بعد أن يتوقف أبوه عن إرسال المال له، وبعد أن يكف عن مراسلته أو المرور به، وهكذا يجد نفسه ضعيفاً منكسراً في مواجهة عالم ظالم وقاسٍ، وهكذا لا يجد إلا الموت مهرباً يلجأ إليه.
رواية "طوق الياسمين" تخوض في عوالم ومستويات عدة، فهي مبنية على لغة شعرية غاية في شاعريتها، وصدق مشاعر كاتبها، وهي إلى جانب هذا وذاك، تقدم وصفاً ساحراً لأجواء دمشق في الستينات، دمشق المدينة والشارع والسوق، دمشق الجامعة والبشر والدراسة والثقافة واليسار والسياسة، دمشق الوجع والفقر والحرقة والفراق والضياع. وهذا الجزء الأخير يأتي في لغة واقعية تقطر ببساطتها وملامستها الواقع وتجسيدها لكل البيئة الدمشقية.
"طوق الياسمين"، سيرة ذاتية، وإضافة جميلة إلى رصيد الروائي واسيني الأعرج، وجرأة فنية تحسب لمصلحة الرواية العربية.