مكتبة

رواية ارتطام.. لم يسمع له دوي

هي الرواية الأولى للكاتبة الكويتية بثينة العيسى والصادرة عن دار المدى، في سوريا، لسنة 2004.

وتحكي قصة طالبة تسمى "فرح" تفوز من قبل دولتها الكويت بشرف تمثيل بلدها في السويد لتكمل أبحاثها في علم الأحياء شريطة اجتياز الاختبار هناك من بين طلبة آخرين لدول أخرى. هناك في البيئة الجديدة والغربة الموحشة بالنسبة إليها تنفجر الأسئلة من خلال بعض المواقف المفاجئة والتي لا تخلو من غرابة، أو من خلال هذا الارتطام الصامت والقوي بين مواطنة الكويتية ومواطن (بدون) اسمه "ضاري" المقيم منذ أكثر من عشر سنوات في السويد، إنه على ما يبدو ارتطام "ضاري" بالوطن من خلال "فرح"، أو إنه ارتطام الوطن بالبدون من خلال "ضاري"، والارتطام كعنوان اختارته الكاتبة لروايتها معبر ويشي بالكثير، فالارتطام هو اصطدام بدني قوي بين جسمين أو شيئين كبيرين وثقيلين، إنه اصطدام يأتي من بعد، من مسافة كبيرة وبسرعة فائقة يحصل، أنه ارتطام بين نيزك وكوكب، أو بين كوكب وآخر، إنه في هذه الرواية يأخذ رسالة قوية لمعناه: ارتطام بين وجهين أو بين وجهي شخصين أضحيا رمزا لوطن ولغربة عن الوطن، للهوية وللاهوية، فالمسافة بينهما تقاس بمدى قسوة الاغتراب "المسافة بين الكويت والسويد" في اللغة واللسان والوجه والمناخ والعادات والتقاليد، وفيه يقاس مدى غربة الإنسان عن ذاته أيضا، كاغتراب ضاري الذي ترعرع في الكويت ثم بعد عنها حاملا حبها بين ضلوعه، وهو العاشق الدائم لمطرها ولنخيلها.

حيث تروي الرواية بين طياتها التناقضات الكبيرة بين الإحساس بالغربة والبعد عن الوطن والانتماء، وبين الشعور الكبير بين الرفض والاحتقار، فتقص التناقضات بلغة سلسة وبعفوية وتفاصيل دقيقة معبرة مليئة بالمشاعر، ويتخللها شعور متبادل بالحب الغير مكتمل، والصراع ما بين الحفاظ عليه أو مغادرته والتيه بدونه.

ينطوي الإيقاع الروائي لدى بثينة العيسى في روايتها "ارتطام لم يسمع له دوي" على انسيابية جميلة لا تخلو من بلاغة شعورية تصل بين عالمين خارجي وداخلي، وما بينهما من حوارية تقتضي الحال والموقف، باطنة وظاهرة، وحيث لا تبدو الكتابة للوهلة الأولى تمتلك بشيء من االعفوية ناصية هذه السلاسة غير المتكلفة، أو كأن هذه الكتابة لديها ما تستند إليه من العفوية والارتجال أكثر مما لديها من الصناعة حتى ولو نمت صيغة الرواية عن صناعة أدبية لغوية تدخل عالم الاحتراف دون تردد أو خجل.

وعبر الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل عن الرواية قائلا: هذه خطوة نوعية نحو الواعد، "هنا لا تجد العتمة إلا في باطنك العميق، حيث أنت وحدك، توغل في التيه. العالم من حولك يتحدث كل اللغات إلا لغتك، وأنت بجلدك الأسمر ناشزٌ عن اللوحة، فاخلع نعليك! ليس امتثالاً لطقوس المثول في الأودية المقدّسة، وإنما لتركض في داخلك بأسرع ما تستطيع" مقتبسا هذا النص من جسد رواية (ارتطامٌ..)، أن توفق الكاتبة بأن تختزل كماً هائلاً من تناقضاتنا الإنسان الشرقيّ العربيّ، ابن أو ابنة العالم الثالث الذي لم يعد ثالثاً (..لم يُسمع له دويّ) ليست صوتاً مباشراً أو ضمنياً بأيديولوجية بذاتها، لكنها بذاتها انتصار لإنساننا إياه، فمحاولة لإضاءة جانب وإن بدا متواضعاً للظلام الحالك المعشش في الأغوار..