العصر الجاهلي

كَفَى بِالّذِي تُولِينَهُ لَوْ تَجَنّبَا

الأعشى

كَفَى بِالّذِي تُولِينَهُ لَوْ تَجَنّبَا *** شفاءً لسقمٍ، بعدما عاد أشيبا

على أنّها كانتْ تأوَّل ُحبَّها *** تأوُّلَ ربعيّ السَّقابِ، فأصبحا

فَتَمّ عَلى مَعْشُوقَة ٍ، لا يَزِيدُهَا *** إليهِ، بلاءُ الشّوقِ، إلا تحبنُّبا

وَإني امْرُؤٌ قَدْ باتَ هَمّي قَرِيبَتي، *** تَأوّبَني عِنْدَ الفِرَاشِ تأوّبَا

سأوصي بصيراً إنْ دنوتُ من البلى *** وَصَاة َ امْرِىء ٍ قاسَى الأمُورَ وَجَرّبَا

بأنْ لا تبغّ الودّ منْ متباعدٍ، *** وَلا تَنْأ عَنْ ذِي بِغْضَة ٍ أنْ تَقَرّبَا

فَإنّ القَرِيبَ مَنْ يُقَرّبُ نَفْسَهُ،*** لَعَمْرُ أبِيكَ الخَيرَ، لا مَنْ تَنَسّبَا

مَتى يَغتَرِبْ عَنْ قَوْمِهِ لا يجدْ لَهُ *** عَلى مَنْ لَهُ رَهْطٌ حَوَالَيْهِ مُغضَبَا

ويحطمْ بظلمٍ لا يزالُ لهُ *** مصارعَ مظلومٍ، مجرّاً ومسحبا

وتدفنُ منهُ الصّالحاتُ، وإنْ يسئْ *** يكُنْ ما أساءَ النّارَ في رَأسِ كَبكَبَا

وليسَ مجبراً إنْ أتى الحيَّ خائفٌ، *** وَلا قَائِلاً إلاّ هُوَ الُمتَعَيَّبَا

أرَى النّاسَ هَرّوني وَشُهّرَ مَدْخَلي، *** وفي كلّ ممشى أرصدَ النّاسُ عقربا

فأبْلِغْ بَني سَعدِ بنِ قَيسٍ بِأنّني *** عتبتُ فلما لمْ أجدْ، ليَ معتبا

صرمتُ ولمْ أصرمكمُ، وكصارمٍ *** أخٌ قد طوى كشحاً وأبَّ ليذهبا

ومثلُ الّذي تولونني في بيوتمك *** يُقنّي سِناناً، كالقُدامى ، وَثَعّلَبَا

ويبعدُ بيتُ المرءِ عن دارِ قومهِ *** فَلَنْ يَعْلمُوا مُمْسَاهُ إلاّ تحَسُّبَا

إلى مَعشَرٍ لا يُعْرَفُ الوُدّ بَيْنَهُمْ؛ *** وَلا النّسَبُ المَعْرُوفُ إلاّ تَنَسُّبَا

أرَاني لَدُنْ أنْ غابَ قَوْمي كأنّمَا *** يرانيَ فيهمْ طالبُ الحقّ أرنبا

دعا قومهُ حولي فجاءوا لنصرهِ،*** وناديتُ قوماً بالمسنّاة ِ غيَّبا

فأضوهُ أنْ أعطوهُ منّي ظلامة ً *** وَما كُنتُ قُلاًّ قَبلَ ذَلِكَ أزْيَبَا

وَرُبّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بجَوّهِ، *** أتَاني كَرِيمٌ يَنفُضُ الرّأسَ مُغضَبَا

أرى رجلاً منكمْ أسيفاً كأنّما *** سضمّ إلى كشيحهٍ كفّاً مخضَّبا

وَمَا عِنْدَهُ مَجْدٌ تَلِيدٌ، وَلا لَهُ *** من الرّيحِ فضْلٌ لا الجَنوبُ وَلا الصَّبَا

وَإني، وَما كَلّفْتُموني وَرَبِّكُمْ *** ليعلمَ منْ أمسى أعقَّ وأحربا

لكالثّوِ، والجنّيُّ يضربُ ظهرهُ، *** وما ذنبهُ أنْ عافتِ الماءَ مشربا

وما ذنبهُ أنْ عافتِ الماءَ باقرٌ، *** وما إنْ تعافُ الماء إلا ليضربا

فإنْ أنأ عنكمْ لاأصالحْ عدوّكم، *** ولا أعطيهِ إلاّ جدالاً ومحربا

وإنْ أدنُ منكمْ لا أكنْ ذا تميمة ٍ *** فَما ظَنُّكُمْ باللّيثِ يَحمي عَرِينَهُ،

سَيَنْبَحُ كَلْبي جَهْدَهُ من وَرَائكُمْ، *** وأغنى عيالي عنكمُ أنْ أؤنَّبا

وَأدْفَعُ عَنْ أعرَاضِكُمْ وَأُعِيرُكُمْ *** لساناً كمقراضِ الخفاجيّ ملحبا

هنالكَ لا تجزونني عند ذاكمُ، *** ولكنْ سيجريني الإلهُ فيعقبا

ثنائي عليكمْ بالمغيبِ وإنّني، *** أراني إذا صارَ الولاءُ تحزُّبا

أكونُ امرأً منكمْ على ما ينوبكمْ، *** وَلَنْ يَرَني أعداؤكُمْ قَرْنَ أعضَبَا

أرَاني وَعَمْراً بَيْنَنَا دَقُّ مَنْشِمٍ، *** فلمْ يبقَ إلا أنْ أجنّ ويكلبا