العصر الجاهلي

أقيموا بني أمي صدورَ مطيَّكمْ

الشنفرى

أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم *** فإني ، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ !

فقد حمت الحاجاتُ ، والليلُ مقمرٌ *** وشُدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛

وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى *** وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ

لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ *** سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ

ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ *** وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ

هم الأهلُ . لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ *** لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ

وكلٌّ أبيٌّ ، باسلٌ . غير أنني *** إذا عرضت أولى الطرائدِ أبسلُ

وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن *** بأعجلهم ، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل

وماذاك إلا بَسْطَةٌ عن تفضلٍ *** عَلَيهِم ، وكان الأفضلَ المتفضِّلُ

وإني كفاني فَقْدُ من ليس جازياً *** بِحُسنى ، ولا في قربه مُتَعَلَّلُ

ثلاثةُ أصحابٍ : فؤادٌ مشيعٌ ، *** وأبيضُ إصليتٌ ، وصفراءُ عيطلُ

هَتوفٌ ، من المُلْسِ المُتُونِ ، يزينها *** رصائعُ قد نيطت إليها ، ومِحْمَلُ

إذا زلّ عنها السهمُ ، حَنَّتْ كأنها *** مُرَزَّأةٌ ، ثكلى ، ترِنُ وتُعْوِلُ

ولستُ بمهيافِ ، يُعَشِّى سَوامهُ *** مُجَدَعَةً سُقبانها ، وهي بُهَّلُ

ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسِهِ *** يُطالعها في شأنه كيف يفعلُ

ولا خَرِقٍ هَيْقٍ ، كأن فُؤَادهُ *** يَظَلُّ به المكَّاءُ يعلو ويَسْفُلُ ،

ولا خالفِ داريَّةٍ ، مُتغَزِّلٍ ، *** يروحُ ويغدو ، داهناً ، يتكحلُ

ولستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دُونَ خَيرهِ *** ألفَّ ، إذا ما رُعَته اهتاجَ ، أعزلُ

ولستُ بمحيار الظَّلامِ ، إذا انتحت *** هدى الهوجلِ العسيفِ يهماءُ هوجَلُ

إذا الأمعزُ الصَّوَّان لاقى مناسمي *** تطاير منه قادحٌ ومُفَلَّلُ

أُدِيمُ مِطالَ الجوعِ حتى أُمِيتهُ ، *** وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً ، فأذهَلُ

وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى *** لهُ عَليَّ ، من الطَّوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ

ولولا اجتناب الذأم ، لم يُلْفَ مَشربٌ *** يُعاش به ، إلا لديِّ ، ومأكلُ

ولكنَّ نفساً مُرةً لا تقيمُ بي *** على الضيم ، إلا ريثما أتحولُ

وأطوِي على الخُمص الحوايا ،*** كما انطوتْ خُيُوطَةُ ماريّ تُغارُ وتفتلُ

وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا *** أزلُّ تهاداه التَّنائِفُ ، أطحلُ

غدا طَاوياً ، يعارضُ الرِّيحَ ، هافياً *** يخُوتُ بأذناب الشِّعَاب ، ويعْسِلُ

فلمَّا لواهُ القُوتُ من حيث أمَّهُ *** دعا ؛ فأجابته نظائرُ نُحَّلُ

مُهَلْهَلَةٌ ، شِيبُ الوجوهِ ، كأنها *** قِداحٌ بكفيَّ ياسِرٍ ، تتَقَلْقَلُ

أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حثحَثَ دَبْرَهُ *** مَحَابيضُ أرداهُنَّ سَامٍ مُعَسِّلُ ؛

مُهَرَّتَةٌ ، فُوهٌ ، كأن شُدُوقها *** شُقُوقُ العِصِيِّ ، كالحاتٌ وَبُسَّلُ

فَضَجَّ ، وضَجَّتْ ، بِالبَرَاحِ ، كأنَّها *** وإياهُ ، نوْحٌ فوقَ علياء ، ثُكَّلُ ؛

وأغضى وأغضتْ ، واتسى واتَّستْ بهِ*** مَرَاميلُ عَزَّاها ، وعَزَّتهُ مُرْمِلُ

شَكا وشكَتْ ، ثم ارعوى بعدُ وارعوت *** ولَلصَّبرُ ، إن لم ينفع الشكوُ أجملُ!

وَفَاءَ وفاءتْ بادِراتٍ ، وكُلُّها ،*** على نَكَظٍ مِمَّا يُكاتِمُ ، مُجْمِلُ

وتشربُ أسآرِي القطا الكُدْرُ ؛ بعدما *** سرت قرباً ، أحناؤها تتصلصلُ

هَمَمْتُ وَهَمَّتْ ، وابتدرنا ، وأسْدَلَتْ *** وَشَمَّرَ مِني فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ

فَوَلَّيْتُ عنها ، وهي تكبو لِعَقْرهِ *** يُباشرُهُ منها ذُقونٌ وحَوْصَلُ

كأن وغاها ، حجرتيهِ وحولهُ *** أضاميمُ من سَفْرِ القبائلِ ، نُزَّلُ ،

توافينَ مِن شَتَّى إليهِ ، فضَمَّها *** كما ضَمَّ أذواد الأصاريم مَنْهَل

فَعَبَّتْ غشاشاً ، ثُمَّ مَرَّتْ كأنها ، *** مع الصُّبْحِ ، ركبٌ ، من أُحَاظة مُجْفِلُ

وآلف وجه الأرض عند افتراشها *** بأهْدَأ تُنبيه سَناسِنُ قُحَّلُ ؛

وأعدلُ مَنحوضاً كأن فصُوصَهُ *** كِعَابٌ دحاها لاعبٌ ، فهي مُثَّلُ

فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطلِ *** لما اغتبطتْ بالشنفرى قبلُ ، أطولُ !

طَرِيدُ جِناياتٍ تياسرنَ لَحْمَهُ ، *** عَقِيرَتُهُ في أيِّها حُمَّ أولُ ،

تنامُ إذا ما نام ، يقظى عُيُونُها ، *** حِثاثاً إلى مكروههِ تَتَغَلْغَلُ

وإلفُ همومٍ ما تزال تَعُودهُ *** عِياداً ، كحمى الرَّبعِ ، أوهي أثقلُ

إذا وردتْ أصدرتُها ، ثُمَّ إنها *** تثوبُ ، فتأتي مِن تُحَيْتُ ومن عَلُ

فإما