العصر الجاهلي
أَلا هل فؤادي إِذ صبا اليوم نازِع

أُحَيحَةِ بنِ الجَلّاح
أَلا هَل فُؤادي إِذ صَبا اليَومَ نازِعُ ***** وَهَل عَيشُنا الماضي الَّذي زالَ رايِعُ
وَهَل مِثلُ أَيّامٍ تَسَلَّفنَ بِالحِمى ***** عَوايِدُ أَو عَيشُ السِتارَينِ راجِعُ
كَأَن لَم تُجاوِرنا رَميمٌ وَلَم نَقُم ***** بِفَيضِ الحِمى إِذ أَنتَ بِالعَيشِ قانِعُ
وَبُدِّلتُ بَعدَ القُربِ سُخطاً وَأَصبَحَت***** مُضابِعَةً وَاِستَشرَفَتكَ الأَضابِعُ
وَكُلُّ قَرينٍ ذي قَرينٍ يَوَدَّهُ ***** سَيُفجِعَهُ يَوماً مِنَ البَينِ فاجِعُ
لَعَمري لَقَد هاجَت لَكَ الشَوقَ عَرصَةٌ***** بِمَرّانَ تَعفوها الرِياحُ الزَعازِعُ
بِها رَسمُ أَطلالٍ وَخَيمٌ خَواشِعٌ ***** عَلى أَلِهِنَّ الهاتِفاتُ السَواجِعُ
فَظَلتُ وَلَم تَعلَم رَميمُ كَأَنَّني ***** مُهَمٌّ أَلَثَّتهُ الدُيونُ الخَوالِعُ
تَذَكَّرَ أَيّامَ الشَبابِ الَّذي مَضى ***** وَلَمّا تَرُعنا بِالفِراقِ الرَوايِعُ
بِأَهلي خَليلٌ إِن تَحَمَّلتُ نَحوَهُ ***** عَصاني وَإِن هاجَرتُهُ فَهوَ جازِعُ
وَكَيفَ التَعَزّي عَن رَميمَ وَحُبُّها ***** عَلى النَأيِ وَالهِجرانِ في القَلبِ نافِعُ
طَوَيتُ عَلَيهِ فَهوَ في القَلبِ شامَةٌ ***** شَريكُ المَنايا ضُمِّنَتهُ الأَضالِعُ
وَبيضٍ تَهادى في الرِياطِ كَأَنَّها ***** نِهى لَسلَسٍ طابَت لَهُنَّ المَراتِعُ
تَخَيَّرنَ مِنّا مَوعِداً بَعدَ رِقبَةٍ ***** بِأَعفَرَ تَعلوهُ الشُروجُ الدَوافِعُ
فَجُنَّ هُدُوّاً وَالثِيابُ كَأَنَّها ***** مِنَ الطَلِّ بَلَّتها الرِهامُ النَواشِعُ
جَرى بَينَنا مِنهُم رَسيسٌ يَزيدُنا ***** سَقاماً إِذا ما اِستَيقَنَتهُ المَسامِعُ
قَليلاً وَكانَ اللَيلُ في ذاكَ ساعَةً ***** فَقُمنَ وَمَعروفٌ مِنَ الصُبحِ صادِعُ
وَأَدبَرنَ مِن وَجهٍ بِمِثلِ الَّذي بِنا ***** فَسالَت عَلى آثارِهِنَّ المَدامِعُ
يُزَجّينَ بِكراً يَنهَزُ الرَيطُ مَشيَها ***** كَما مارَ ثُعبانُ الفَضا المُتَدافِعُ
تُبادِرُ عَينَيها بِكُحلٍ كَأَنَّهُ *****جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتَتابِعُ
وَقُمنا إِلى خَوصٍ كَأَنَّ عُيونَها ***** قِلاتٌ تَراخى مائُها فَهوَ واضِعُ
فَوَلَّت بِنا تَغشى الخَبارَ مُلِحَّةً ***** مَعاً حولُها وَاللاقِحاتُ المَلامِعُ
وَإِنّي لَصَرّامٌ وَلَم يُخلِقِ الهَوى ***** جَميلٌ فِراقي حينَ تَبدو الشَرايِعُ
وَإِنّي لَأَستَبقي إِذا العُسرُ مَسَّني ***** بَشاشَةَ نَفسي حينَ تُبلى المَنافِعُ
وَأَعفي عَن قَومي وَلَو شِئتُ نَوَّلوا ***** إِذا ماتَشَكّى المُلحِفُ المُتَضارِعُ
مَخافَةَ أَن أَقلى إِذا شِئتُ سائِلاً ***** وَتُرجِعَني نَحوَ الرِجالِ المَطامِعُ
فَأَسمَعَ مِنّا أَو أُشَرِّفَ مُنعِماً ***** وَكُلُّ مُصادي نِعمَةٍ مُتَواضِعُ
وَأُعرِضُ عَن أَشياءَ لَو شِئتُ نِلتُها ***** حَياءً إِذا ماكانَ فيها مَقاذِعُ
وَلا أَدفَعُ اِبنَ العَمِّ يَمشي عَلى شَفا ***** وَلَو بَلَغَتني مِن أَذاهُ الجَنادِعُ
وَلَكِن أُواسيهِ وَأَنسى ذُنوبَهُ ***** لِتُرجِعَهُ يَوماً إِلَيَّ الرَواجِعُ
وَأُفرِشُهُ مالي وَأَحفَظُ عَيبَهُ ***** لِيَسمَعَ إِنّي لاأُجازِهِ سامِعُ
وَحَسبُكَ مِن جَهلٍ وَسورِ صَنيعَةٍ ***** مُعاداةَ ذي القُربى وَإِن قيلَ قاطِعُ
فَأَسلِم عَناكَ الأَهلَ تَسلَم صُدورُهُم ***** وَلا بُدَّ يَوماً أَن يَروعَكَ رايِعُ
فَتَبلوهُ ما سَلَّفتَ حَتّى يَرُدَّهُ ***** إِلَيكَ الجَوازي وافِراً وَالصَنايِعُ
فَإِن تُبلِ عَفواً يُعفَ عَنكَ وَإِن تَكُن ***** تُقارِعُ بِالأُخرى تُصِبكَ القَوارِعُ
وَلا تَبتَدِع حَرباً تُطيقُ اِجتِنابَها ***** فَيَلحَمَكَ الناسَ الحُروبُ البَدايِعُ
لَعَمري لِنِعمَ الحَيُّ إِن كُنتَ مادِحاً ***** هُمُ الأَزدُ إِنَّ القَولَ بِالصِدقِ شايِعُ
كِرامٌ مَساعيهِم جِسامٌ سَماعُهُم ***** إِذا أَلغَتِ الناسُ الأُمورُ الشَرايِعُ
لَنا الغُرَفُ العُليا مِنَ المَجدِ وَالعُلى ***** ظَفِرنا بِها وَالناسُ بَعدُ تَوابِعُ
لَنا جَبَلا عِزٍّ قَديمٌ بَناهُما ***** تَليعانِ لا يَألوهُما مَن يُتالِعُ
فَكَم وافِدٍ مِنا شَريفٌ مَقامَهُ ***** وَكَم حافِظٍ لِلقِرنِ وَالقِرنُ وادِعُ
وَمِن مُطعِمٍ يَومَ الصَبا غَيرَ جامِدٍ ***** إِذا شَصَّ عَن أَبنائِهِنَّ المَراضِعُ
يُشَرِّفُ أَقواماً سِوانا ثِيابُنا ***** وَتَبقى لَهُم أَن يَلبَسوها سَمايِعُ
إِذا نَحنُ ذارَعنا إِلى المَجدِ وَالعُلى ***** قَبيلاً فَما يَسطيعُنا مَن يُذارِعُ
وَمِنّا بَنو ماءِ السَماءِ وَمُنذِرٌ ***** وَجَفنَةُ مِنّا وَالقُرومُ النَزايِعُ