عصور ما بعد الإسلام

قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ

أبو تمام
قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ **** كَمْ تَعْذِلُونَ وَأَنْتُمُ سُجَرَائِي
لا تسقني ماءَ الملامِ فإنَّني **** صبٌّ قدِ استعذبتُ ماءَ بُكائي
ومُعرَّسٍ للغيثِ تخفقُ بينهُ **** رَايَاتُ كل دُجُنَّة ٍ وَطْفَاءِ
نَشَرَتْ حَدَائِقَهُ فَصِرْنَ مَآلِفاً **** لِطَرَائِفِ الأَنْوَاءِ والأَنْدَاءِ
فَسَقَاهُ مِسْكَ الطَّلَّ كَافُورُ الصَّبَا **** وانْحَلَّ فيهِ خَيْطُ كُل سَماءِ
غُني الرَّبيعُ بروضهِ، فكأنَّما **** أَهْدَى إِلَيْهِ الوَشْيَ مِنْ صَنْعَاءِ
صبَّحتُه بسُلاَفَة ٍ صَبَّحتُهَا **** بِسُلاَفَة ِ الْخُلَطَاءِ والنُّدَمَاءِ
بمُدَامَة ٍ تَغْدُو المُنَى لِكُؤُوسِهَا **** خَوَلاً عَلى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ
راحٌ إذا ما الرَّاحُ كنَّ مطيَّها **** كَانَتْ مَطَايا الشَّوْقِ في الأَحْشَاءِ
عِنَبِيَّة ٌ ذَهَبِيَّة ٌ سكَبتْ لَهَا **** ذهبَ المعاني صاغة ُ الشُّعراءِ
أكلَ الزَّمانُ لطولِ مكثِ بقائها **** مَا كَانَ خَامَرَهَا مِنَ الأَقْذَاءِ
صَعُبَتْ وراضَ المزجُ سيِّءَ خُلقها **** فتعَّلمتْ من حسنِ خلق الماءِ
خرقاءُ يلعبُ بالعقولِ حبابها **** كتلعُّبِ الأفعالِ بالأسماءِ
وضعيفة ٌ فإذا أصابتْ فرصة ً **** قَتَلَتْ، كذلِكَ قُدْرَة ُ الضُّعَفَاءِ
جَهْمِيَّة ُ الأَوْصَافِ إِلاَّ أنَّهُمْ **** قد لقَّبوها جوهرَ الأشياءِ
وكأنَّ بهجتها وبهجة ََ كأسها **** نَارٌ ونُورٌ قُيدَا بِوِعَاءِ
أَوْ دُرَّة ٌ بَيْضَاءُ بِكْرٌ أُطْبِقَتْ **** حبلاً على ياقوتة ٍ حمراءِ
ومَسَافَة ٍ كَمَسَافَة ِ الهَجْرِ ارْتَقَى **** في صدرِ باقي الحبِّ والبُرحاءِ
بيدُ لنسلِ العيدِ في أملودها **** ما ارتيدَ من عيدٍ ومن عدواءِ
مزَّقتُ ثوبَ عكوبها بركوبها **** والنَّارُ تَنْبُعُ مِنْ حَصَى المَعْزَاءِ
وإلى ابن حسَّان اعتدتْ بي همَّة ٌ**** وقفتْ عليهِ خلّتي وإخائي
لمَّا رأيتُكَ قدْ غذوْت مودَّتي **** بالبِشْرِ واسْتَحْسَنْتَ وَجْهَ ثَنَائِي
أَنْبَطْتُ في قَلْبِي لِوَأْيِكَ مَشْرَعاً **** ظلَّتْ تحومُ عليهِ طيرُ رجائي
فثَوَيْتُ جَاراً لِلْحَضِيضِ وَهِمَّتِي **** قَدْ طُوقَتْ بكَواكِبِ الجَوْزاءِ
إِيهِ فَدتْكَ مغَارِسي ومَنَابِتِي **** إطرَحْ غَنَاءَكَ في بُحُورِ عَنَائِي
يسِّرْ لقولكَ مهرَ فعلكَ إنَّهُ **** يَنْوِي افتضَاضَ صنِيعَة ٍ عَذرَاءِ
وإلى مُحَمّدٍ ابْتَعَثْتُ قَصَائِدِي **** ورفعتُ للمستنشدين لوائي
وإذا تشاجرتِ الخطوبُ قريتها **** جدلاً يقلُّ مضاربَ الأعداءِ
يا غاية الأدباءِ والظُّرفاءِ بلْ **** يا سَيدَ الشُّعَرَاءِ والخُطَبَاء
يَحْيى بنَ ثَابِتْ الّذِي سَنَّ النَّدَى ****وَحَوَى المكَارمَ مِنْ حَياً وحَياء